مختار الرفاعي .. لماذا لقب بالـ"تتش" و كيف دخل تاريخ الأهلي
مختار التتش :هو النجم الذى ساهم فى صناعة اسم النادى الأهلى العريق نادى القرن العشرين ، إنه اللاعب الذى أثر فى كثير من النجوم الكبار وحينما أختاروه قدوتهم بحمد الله وصلوا إلى درجات عالية فى قلوب الجماهير العاشقة للفانلة الحمراء على مدى أكثر من مئة عام حافلة بالإنجازات والبطولات التى وصلت ل107 بطولة.
إنه الكابتن محمود مختار محمد رفاعي ، هو الابن الثالث للدكتور محمد رفاعي حكيم باشى مستشفي الإسكندرية أسطورة ملاعب كرة القدم ، وفي حقل الرياضة .الذى سماه الجمهور بالتيتش نظرا لقصر قامته وقدرته على القفز لأعلى والقيام بحركات بهلوانية أثناء اللعب أثارت إعجاب الناس فأطلقوا عليه لقب التيتش الذى كان يطلق على بهلوان صغير فى لندن كان يظهر فى حفلات القصر الملكى بباكينجهام.
ولد الكابتن مختار التيتش بالإسكندرية عام 1906 ، واشترك وهو في الثامنة من عمره في فريق مدرسة محمد على الابتدائية بميدان السيدة زينب ، عندما انتقلت أسرته إلى القاهرة ، وكان أصغر لاعبيها سنا وجسما ، وأكثرهم مهارة وقد حصلت مدرسته على كأس المدارس الابتدائية ثم انتقل إلى المدرسة السعيدية الثانوية ، ولم يهزم فريقها أبدًا طوال السنوات التي قضاها بها ، حتى حصل على شهادة البكالوريا والتحق بكلية الحقوق .
وأنضم الكابتن محمود مختار الشهير بالتيتش للفريق الأول بالنادى الأهلى في عام 1923 حيث اكتشفه النادي الأهلي وضمه إلى فريقه، والذي اكتشفه هو اللاعب القديم محمود مرعى ، وظل لاعبًا بالفريق حتى اعتزل الكرة عام 1940 ، وبين هذين التاريخين كان فريق النادي الأهلي من أقوى فرق مصر ، وكانت تلك السنوات هي العصر الذهبي للكرة المصرية . ومن ذكريات محمود مختار الشهيرة في تلك الأيام مباراة منتخب القاهرة ضد منتخب الإسكندرية سنة 1924 ، وكان منتخب القاهرة برئاسة الكابتن حسين حجازي، وقد فاز وأحرز الكأس. وكذلك مباراة ضد المختلط ، وكان برئاسة حسين حجازي وكان يقال وقتها : " الأهلي غلب حجازي " ، ويومها اعتدى الجمهور على لاعبي النادي الأهلي بسبب حبه الشديد للكابتن حجازي ، وخرج الجمهور من الملعب غاضبًا لأنه لا يقبل الهزيمة لنجمه الكبير .، ولعب اولى مباراياته مع الأهلى أمام الطيران الانجليزى فى الكأس السلطانية وفاز الأهلى وقتها 2/1،وتمكن التيتش من إحراز هدف الفوز للأهلى.
تولى مختار التيتش قيادة المنتخب المصري طوال عشرة سنوات من العطاء غير منقطع النظير قاد فيها منتخب مصر للفوز بالمركز الرابع في دورة أمستردام الأوليمبية عام 1928 وكان هذا المركز بمثابة الوصول للمربع الذهبي في كأس العالم لكرة القدم، إذا كانت بطولات كرة القدم في الألعاب الأوليمبية بمثابة المونديال وذلك قبل أن تبدأ بطولات كأس العالم لكرة القدم عام 1930 لأول مرة في أورجواي ، وقتها كان مختار التيتش لاعبا مذهلا في بطولة الألعاب الأوليمبية لدرجة أنه اختير وقتها ضمن منتخب العالم لكرة القدم ومن بين أعظم 11 لاعبا، ومن بين أعظم أربعة مهاجمين في العالم ، حتى قرر اعتزال اللعبة وهو فى قمة مجده عام 1940 ومثل مصر لأول مرة أمام المنتخب المجرى عام 1930 كما شارك مع البعثات المصرية فى الدورات الأوليمبية أعوام 1924و1928و1936.
كما تولى نجمنا العظيم الراحل مختار التيتش منصب سكرتير عام اللجنة الأوليمبية المصرية من عام 1956 وحتى عام 1959.
وفي كتابه " رواد الرياضة المصرية " يسجل السيد فرج واقعة رواها أمين شعير أحد أعلام النادي الأهلي عن مختار التيتش :
" كنا نستعد لمباراة كبيرة الأهمية بين النادي الأهلي و نادي السكة الحديد ، وكان أهم ما يشغل فريق السكة الحديد هو كيف يأمن خطر مختار التيتش ، وأخذوا يفكرون كيف يحولون بينه وبين مرماهم ، ولو كلفهم ذلك لاعبين أو ثلاثة يخصصون له ، وقد انبرى أحد اللاعبين و اسمه " آل " وطمأن فريقه إلى أنه سيراقب التيتش ولن يدع الكرة تصل إلى قدمه . وجرت المباراة ، وأحرز التيتش ثلاثة أهداف ، وانتابت الدهشة الجميع لأنها جاءت من ناحية هذا اللاعب الذي راح يهذى ، ويكلم نفسه بصوت عال : " آل امسكه .. آل إمسك عفريت؟! أمسك جن " ؟! .
ومثلما كان محمود مختار لاعبًا يضرب به المثل ، في موهبته ومهاراته ، يضرب به المثل حتى اليوم في المبادئ والأخلاق . ولعل أبرز سمات شخصية " التيتش " هي حبه الشديد للرياضة ولكرة القدم ، وإنكاره الدائم لذاته ، فكان يردد دائمًا بأن الفريق هو الذي يكسب المباراة وليس اللاعب وهذا في وقت كانت فردية الأداء تظهر جلية ، وتجذب الجماهير . وقد أجمعت دوائر الكرة في عصر التيتش على أنه كان يتمتع بثلاث صفات : الهواية ، واللياقة ، والأخلاق .
و في سياق المهام الوطنية للنادي الأهلي ، سافر فريق النادي الأهلي عام 1943 إلى فلسطين تلبية لدعوة الأندية الفلسطينية لتعزيز موقفها في مواجهة الأندية الصهيونية ، وقتها رفض اتحاد الكرة الذي كان يترأسه محمد حيدر باشا ياور الملك فاروق، رفض سفر بعثة الأهلي إلى فلسطين بضغط من السلطات البريطانية، إلا أن مختار التيتش جمع فريق الأهلي وسافر بصورة غير رسمية ليلبى دعوة بالمخالفة لقرار اتحاد الكرة الأمر الذي ترتب عليه شطب فريق النادي الأهلي كله، و حرمانه من المشاركة في النشاط المحلى وأهمه كأس مصر ، فقد أدت زيارة الأهلي لفلسطين لغضب الصهاينة، وسخط السلطات البريطانية لأن الزيارة والمباريات التي لعبها الأهلي تحولت إلى احتفالية وطنية في وقت كان الفلسطينيون فيه يواجهون عمليات الزحف الصهيوني والتجهيز لتأسيس دولة الكيان الصهيوني ، ظل الأهلي محروما لعدة أشهر من النشاط، حتى قرر اتحاد الكرة العفو عن لاعبيه شريطة أن يحضر لاعبو الأهلي إلى مقر اتحاد الكرة، والتوقيع على اعتذار رسمي وآسف على السفر إلى فلسطين دون موافقة اتحاد الكرة ، وبالفعل ذهب كل اللاعبين، تنفيذا لتعليمات محمد حسنين باشا رئيس النادي الأهلي آنذاك باستثناء لاعب واحد، هو مختار التيتش الذي أرسل برقية إلى رئيس اتحاد الكرة محمد حيدر باشا يقول فيها: لقد ذهبنا إلى فلسطين في مهمة وطنية. وهو موقف من العار الاعتذار عنه وبناء عليه فإنه لا يشرفني الانتماء لاتحاد كرة يترأسه أمثالك ، وأصيب حيدر باشا بصدمة، فتم شطب مختار التيتش، إلا أن هذا الموقف كان واحدا من مواقف كثيرة تشي بمدى شجاعة وصلابة ووطنية مختار التيتش وتمسكه بالمواقف المبدئية التي سار على نهجها بعد ذلك قيادات الأهلي فيما بعد حتى وقتنا هذا .
. و قد ساهم التيتش في تأسيس الإتحاد المصري للبلياردو ، و بدأ نشاط الاتحاد المصري عام 1944 ولم تكن اللعبة تمارس بالنادي في ذلك الوقت ، بعد بيع طاولات البلياردو في الثلاثينات ، ومع ذلك تأسس الاتحاد بفضل جهود نجمي كرة القدم الكبيرين حسين حجازي ومحمود مختار ( التيتش ) وعملاق رفع الأثقال وبطل العالم السيد نصير . وقد كونوا اتحادًا رسميًا بلوائحه وقوانينه وأقاموا مباريات محلية ودولية .
.
وقد يبدو غريبًا أن يؤسس حجازي و التيتش والسيد نصير اتحاد البلياردو ، والواقع أنهم مارسوا البلياردو في النادي قديما ، ومارسوا هذه الرياضة في جولاتهم بأوروبا وعشقوها ، لدرجة أن حسين حجازي ترك النادي المختلط لأنه لا يوجد فيه بلياردو و بريدج وقد كان أيامها لاعبا مرموقًا ، المهم أن النجوم الثلاثة وقت أن أسسوا الاتحاد كانوا قد اعتزلوا وبدءوا مرحلة العمل الإداري في مجال الرياضة المصرية . وهم في تأسيس هذا الاتحاد كانوا يمارسون دورهم كإداريين متفتحين وكرواد ، وهذا هو قدر الرواد على أي حال ودورهم ، كما أدخل التيتش رياضة الهوكي في النادي الأهلي عام 1936.
. وقد اعتزل مختار التيتش وهو في أتم لياقة وأعلى مستوى ، وكان يرى أن هذا وقت الاعتزال المناسب،ليبقى دوما مختارا الذي يعطى ناديه وبلده بدرجة مائة في المائة. وكان اعتزاله صدمة هزت جماهير الأهلي والكرة المصرية ، وطالبه الكثيرون بالبقاء والاستمرار، ولجأ أصدقاؤه إلى سيدة الغناء العربي أم كلثوم لتثنيه عن عزمه ، إذ كانوا يعرفون صلته القوية بها ، وما بينهما من ود وتقدير واحترام . لكن التيتش أقنع أم كلثوم بوجهه نظره !
وحين أعلن مختار التيتش اعتزاله كتب الناقد الرياضي القدير محمد شميس تحت عنوان : " جناية مختار التيتش على مصر " ما يلي :
صدمني نبأ اعتزال مختار الكرة صدمة عنيفة ، ومختار ما زال باعتراف الجميع نجم الملاعب قاطبة ، وما زال في عمره بقية شابة حارة تتزعم الميادين بجدارة ، وتضعها على مراجل الفكر ، بما عرف عن مختار من إخلاص وتفان وغيرة مستعرة واستعداد عظيم تفوق كلها حد المعقول ،وتندر أن تجتمع للاعب واحد . ولقد سمعت كثيرًا عن مختار من أفواه أكبر مدربي الكرة في أوروبا ورأيت الكثير المعجز مما يحتاج توضيحه إلى مجلد ضخم .
بعضا مما نشرت الصحافة عند إعتزل التيتش
"
ياللى بتستفتا الاسبور مالك محتار - ازاي تدور على كابتن راح فين مختار "
" في رأيي لو جعلوا الكابتن بالانتخابات - كان غيره ياخد صوت واحد .. وهوه ألوفات "
" بتوع الأوليمبيك شافوا لعبه قالوا دا الآس - لو كان في مصر ثلاثة زيه كان تاخد الكاس "
" يا تيتش أرفع رايتك وأعمل مجهود - يرعاك ويحميك المولى من كل حسود "
بعد اعتزال التيتش لعب كرة القدم لم يبتعد عن الرياضة ، فقد عمل مدربًا لفريق الكرة بالنادي الأهلي ثم سكرتيرًا للعبة ، ومراقبًا للألعاب في النادي ، ونائبًا في مجلس الدولة ، ثم تولى منصب المدير العام لرعاية الشباب بوزارة الشئون الاجتمـاعية ، وسكرتيرًا للجنة الأوليمبية المصرية من عام 1956 إلي عام 1959، وعضو لجنة التخطيط بالمجلس الأعلى لرعاية الشباب ، ثم وكيل وزارة الشباب ، وقد أشرف طوال فترة عمله الإداري على سن ووضع القوانين التي تنظم النشاط الرياضي في الأندية والاتحادات واللجنة الأوليمبية .
وفي أكتوبر عام 1965 أحيل محمود مختار إلى المعاش ، فمنحه الرئيس جمال عبد الناصر وسام الرياضة من الدرجة الأولى اعترافا بفضله على الرياضة المصرية . وقد ظل مختار التيتش وفيا لناديه إلى آخر لحظة في حياته ، ففي يوم 21 ديسمبر 1965 كان يجلس في الصباح بين أصدقائه في الأهلي ، وفجأة شعر بإرهاق ، فتوجه فورًا إلى منزله ، وأسلم الروح .
وهكذا فقدت مصر علما من أعلام كرة القدم . وتخليدًا لذكراه قرر مجلس إدارة النادي الأهلي ، إقامة تمثال للتيتش يوضع بحديقة النادي وإطلاق اسمه على ملعب كرة القدم ، فأصبح اسمه إستاد مختار التيتش تكريما لذكراه ودوره الكبير في رفع مستوى اللعبة في النادي الأهلي ، كما سمى الشارع الممتد من كوبري قصر النيل إلى النادي الأهلي بشارع محمود مختار.
وأخيرا : لنا كلمة
النادى الأهلى طوال تاريخه ملئ بالنجوم العظام الذين مثلوا الأهلى وأخلصوا له ولجمهورهم وظلوا يدافعوا عن شرف الفانلة الحمراء مما جعل لهم فى قلوب الجماهير مكانا وأصبحوا فى صدورهم سكانا ، إنه التيتش الذى نحبه ونقدره والذى يحكى عنه المايسترو الراحل صالح سليم ويقول أنه له الفضل بعد الله سبحانه وتعالى فى إكتشاف صالح سليم رحمهم الله جميعا ونتمنى من هذا الجيل أن يتعلم من هؤلاء الوفاء والإجتهاد وعدم اللهث وراء المال والهروب لأجله حتى لا يسقطوا من قلوب الجمهور العاشق للفانلة الحمراء إلى مالا نهاية.