اختيار الوقت المناسب
للحوار
اختيار الوقت
المناسب للحوار(تأملات في
الحوار من خلال سورة يوسف)1- قال سبحانه
وتعالى- عن يوسف حين أدخل السجن ومعه الفتيان، حيث بدأ الحوار بسؤالهما -: ﴿
قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ
الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ
مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
[يوسف: 36].
ثم شق يوسف - عليه السلام - طريقه في الحوار وبما
آتاه الله من العلم مستغلاً الفرصة-وظروف السجن النفسية -، فبدأ الجواب النبوي؛
لتصحيح المعتقدات الفاسدة: ﴿
قَالَ لا يَأْتِيكُمَا
طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ
يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ
لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ
ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف: 37-38].
ثم يأتي الحوار بالتصريح بالدعوة إلى التوحيد بعد
التلميح، بلطف ولين؛ ليكون أنجح لمقصودة، وأقرب لحصول مطلوبة، فقال: ﴿
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ
أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا
تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 39-40].
2- قوله تعالى
- عن يوسف وإخوته -: ﴿
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ
قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا
بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ
اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف: 88].
فإخوة يوسف لما رجعوا وأخبروا أباهم بما جرى لهم مع
يوسف وأخيهم بأنه قد سرق، ثم لما ذهبوا إلى مصر؛ لاستقصاء أخبار يوسف وأخيه، ولما
دخلوا على يوسف، وسمع مقالتهم، رقَّ لهم، وعَّرفهم بنفسه: ﴿
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ
إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [يوسف: 89].
فهنا استغل يوسف الفرصة-قبل فواتها -، واختار الوقت
المناسب للحوار، مقدراً تلك الظروف المحيطة؛ مصححاً لمفاهيمهم؛ موضحاً للحقائق،
ولهذا عرفوا أن الذي خاطبهم هو يوسف، فـ: ﴿
قَالُوا
أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ
عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 90].